ولد بوشكين في شهر مايو عام 1779 في موسكو لأسرة من النبلاء، كان أبوه شاعرا بارزا فساعد ذلك على ظهور موهبته الشعرية مبكرا، بالإضافة إلى ذكائه وذاكرته وقد أدهش عائلته منذ الطفولة بمقدرته على حفظ أكبر قدر ممكن من القصائد وترديدها عن ظهر قلب وقد تفتحت موهبته الشعرية بشكل مبكر جدا فمنذ سن الخامسة عشرة نشرت له مجلة «رسول أوروبا» أولى قصائده.
ترجع الجذور التاريخية لبوشكين إلى أصل حبشي، فأمه ناديشد أوسيبافنا كانت حفيدة إبراهيم جانيبال الذي كان من الضباط المقربين لدى القيصر بطرس الأول ، وقد ورث بوشكين ملامحه الأفريقية عنه إذ كان أجعد الشعر غليظ الشفتين.
تلقى بوشكين تعليمه في معهد النبلاء وهو معهد لأبناء الطبقة الروسية العريقة حيث يتم إعدادهم هناك لتولي المناصب الهامة في دائرة الحكومة القيصرية مستقبلا.وقد لاحظ الكثير من أساتذته خلال دراسته موهبته العالية في نظم الشعر وتميز أحاسيسه بالقوة.
وقد أثرت سنوات دراسة بوشكين في تعزيز نزعته الأدبية والسياسية، كما كتب العديد من القصائد الشعرية في أثناء دراسته بالمعهد، مثل أمنية والعلم ورسالة إلى بودين. وبعد أن تخرج من المعهد في العام 1816 عمل في وزارة الخارجية الروسية.
نتيجة لنشاطه السياسي وانتقاده للأوضاع السائدة في روسيا في ذلك الوقت غضب عليه القيصر وفصله من وظيفته ونفاه في العام 1825 إلى ضيعة ميخائيلوفسكي جنوب البلاد لبضع سنوات بسبب نشره لقصائد ثورية مضادة للسلطة. وقد اتهم بالخيانة بعد أن عفا عنه القيصر نيقولا وعاد إلى موسكو وقربه القيصر منه ليجعل منه شاعر البلاط. وفي عام 1831 تزوج بوشكين من ناتالي غونتشاروفا، وأنجب منها 4 أبناء ، وعاش معها حياة القصور والصالونات الارستقراطية في موسكو.
وفي العام 1837 توفي بوشكين مقتولا عن عمر 38 عاما وذلك في مبارزة مع أحد النبلاء الفرنسيين المقيمين في موسكو أغرم بزوجته وحاول مغازلتها وقيل انه اشيع حول علاقة زوجته بالفرنسي، واعتبر بوشكين هذا العمل إهانة له وانتقاصا لشرفه فتحداه وطلبه للمبارزة وكانت تلك هي العادة السائدة آنذاك، وقد تمت المبارزة بالمسدسات لا بالسيوف وتمكن الفرنسي من إصابته ليتوفي بعد ثلاثة أيام من المبارزة.
ويقول بعض المؤرخين والنقاد ان تلك المبارزة كانت من تخطيط بلاط القيصر الذي راح يحيك المؤامرات ضد بوشكين للايقاع به.
وقد اعتبر بوشكين من أعظم الشعراء الروس في القرن التاسع عشر، ولقب بأمير الشعراء.
تنقسم أعمال بوشكين إلى ثلاثة أقسام هي القصائد والمسرحيات والنثر. ومن أبرز قصائده ذكريات إلى تسارسكوي سيلو (1814)، الحرية (1817)، محاكاة القرآن (1824) ، الرسول ( 1826)، الإعصار (1827)، الفرقان (1828)، صباح شتائي (1829)، السيل العارم (1829)، الغجر ( كتباها خلال عامين) (1824) . ومن أبرز ما كتب في المسرح مأساة تاريخية (1825)، ضيف بطرس (1830)، الفارس البخيل (1836)، موزار وساليري (1830)، الوليمة في زمن الطاعون (1830). أما فيما يخص كتاباته النثرية فتعد روايتي عبد القيصر بطرس الأكبر (1827)، والتي كتبها بسبب تأثره بتاريخ جده إبراهيم جانيبال، إذ يتطرق فيها إلى قصة هذا الجد الذي تم إهداؤه إلى القيصر بطرس الأول، وأصبح من المقربين إليه، وتعد هذه الرواية من أعظم الروايات التاريخية الواقعية في تاريخ الأدب الروسي، وكتب رواية بنت القبطان (1836) التي وصف فيهما حياة المجتمع الروسي، كما حاول وصف مجتمعات أخرى من خلال أعماله وذلك بكاتبه لرواية سجين القوقاز حيث يصف فيها تقاليد الشركس الذين يسكنون جبال القوقاز في العام (1821).
استلهم بوشكين القرآن والسيرة النبوية، في عدد من قصائده حيث تتبوأ قصائده قبسات من القرآن، والرسول مكانة هامة بين المؤلفات الأدبية الروسية المستوحاة من التراث الإسلامي والسيرة النبوية.
وتعكس قبسات من القرآن المكونة من 174 شطرا المكانة الهامة التي أحدثها القرآن الكريم في التطور الروحي لبوشكين، فحسب الباحثين فقد أعطى القرآن الكريم أول دفعة للنهضة الدينية عند بوشكين، ومن ثم فقد كان له أهمية ضخمة في حياته الداخلية.
مختارات من شعره :
علام يتغطرس الإنسان؟
على أنه جاء إلى الدنيا عاريا,
على أنه يستنشق دهرا قصيرا,
و أنه سيموت ضعيفا , مثلما و لد ضعيفا ؟
ألم يعلم أن الله سيميته ،
و يبعثه بمشيئته ؟
و إن السماء ترعى أيامه
في السعادة و في القدر الأليم ؟
ألا يعلم أن الله و هبه الثمار ,
و الخبز , و التمر , و الزيتون
ثم بارك جهوده
فوهبه البستان , و التل , و الحقل ؟
لكن الملاك سيعود مرتين ,
و سيدوي على الأرض رعدا سماويا:
و سيفرُّ الأخُ من أخيه ,
و يبتعد الابن عن أمه.
ويمثل الجميع أمام الله,
صرعى من الرعب,
و يسقط الكفار
يغطيهم اللهب و العفار.
*******************
اللمحة الخاطفة
كلمعة برق
بدا طيفها باهرا
ما يزال, تعلق ذهني
لمحة ليس أروع
شع محياك في ناظري
عبقري البهاء.
سريعا مضى كالخيال
صفاء تشكل عذبا بديعا
متى انهمر الحزن
يدمي فؤادي..
يقدح في كبدي لهب اليأس
تحاصرني ظلمات النوائب
خواء تدمدم هوج العواصف
يلمع طيفك ضوءا
يهدهدني في المنام
وتصدح في مسمعي
رائعات اللحون
بدونك يهرب عمري
ويطوي السنين جنون العواصف
تذوي أزاهير أحلام ماضي هوانا
ويهجر سمعي تهدج صوتك
يستأسد الجدب في خاطري
ويحاصرني في جحيم اليباب
وفي وحشة الأسر
أغرقت ايام عمري وئيدا
وحيدا تغربت
خال وفاضي من وحي روحي
بلا ملهم .. وبدون دموع
أعيش حياتي العدم
بدون غرام ..
فتغرد روحي ذراعيّها
في لوعة تحتويك..
ومن ذبذبات تراجيع عشقي
تلملم أشلاء أحلى محياك
ثانية يتجمع في ناظري
ويعود نقيا خيالك
عبقري البهاء يشع
صفاء بديعا تشكل
يخفق في النشوة القلب
منتعشا لا يريم ..
ما عساه يعني لديك اسمي
ما عساه إسمي لديك يعني
إن كان للموت يمضي
كما يتلاشى ضجيج النعي
وكالموج في وجنات ضفاف على البُعد
رش الرذاذ وصار جفاء
تلاشى كصوت مسائي
في غابة تغتلي وحشة الصمت
خرساء
غارقة في السكون
إسمي في صفحة الذكريات
سيترك وشما تجمد
كنعش على شاهد فوق قبر
شبيه لسان هلامي
معجمها كالسراب
أي معنى لاسمي
وقد صار اسمي نسيا ..
من زمن
متاه انطوى في تلابيب رُعب يهيج
تنمل في لجة العجز
أعجز عن مد روحك
زخ صفاء من الذكريات الحنونة
إنما..
إن أتاك من العُمر يوم حزين
في هدأة الصمت , حين يرين
انطقيه التياعا على ملأ
واعلني.. أن ذكراي تنبئ بي
حية باقية
أن قلبا لديك يعيش الوجود
حيث أحيا.. أنا
نابضا لا يزال .
زهــرة
زهرة ذبلت
خلعت عطرها
في كتاب أراها
نساها حبيب
فاذا بالخيالات شتى عجيبة
تغمرني حيرة وسؤال
أين أينعت
في أي وقت
وأي ربيع حواها
كم من الوقت عاشت تفتحها
أي كف ترى قطفتها
كف صب غريب ترى
ربما قطفت للقاء سعيد
أو كذكرى فراق تحتم
أو ربما صادفت نزهة
لوحيد في هدأة العُشب
تحت ظلال المروج
أحي ترى العاشق الصب
وهل ما تزال الحبيبة تحيا
وأين يقيمان
أم ذبلوا
وذووا مثلها الزهرة اللاشبيه لها.
أنت وأنتم
تبدل أنتم بـ <<أنت>>
(ولفظة أنتم خواء)
تخاطبني فتهيج أحلام قلب المعنى السعيدة
مطرقا أتأمل
لا حول لي واقفا
عند حضرتها أمعن النظرات لطلعتها
يستحيل على العين
إسدال أجفانها
وأخاطبها بضمير الجمع
أقول لها
يا للطفكم.
وفي النفس أهجس
كم مغرم أنا
آه .. بك
كم أنا مُغرم
الهبة الهباء.. هبة الصدفة
حياتي..
لماذا وهبتك
يا هبة الصدفة
يا هبة من هباء
لماذا عليك قضى
قدر لا يُرى
من دعاني من عدم
بجبروت كل العداء دعاني
بالشوق أجج بهجة عمري
وهيج فكري ظنونا
بلا هدف نصب عيني
وقلبي خواء
وفكري يباب
وكل ضجيج الحياة رتيبا يمزقني
شجنا واكتئابا
وكل حياتي عدم.
ذكــرى
على أسوارها المدن التي خرست..
خبا صخب النهار
ضجيجه في أذن ميت فارق الدنيا
وظل مساء يوم
حط الرحل شبه شفافية
على الأشياء
جزاء كالكرى كد النهارات استوى
وحينئذ تعيش سكينة.. لي..
ساعات اليقظة الثقيلة
سعير في خواء الليل مضطرم
تناوشني..
أفاعي حسرة, وأسى الفؤاد
مرارة التقريع يوجع
بينا.. تغلو بي الأماني
البال مثقل بالأسى
تزاحم فيه فرط ظنون مثقلة
وألفاني.. وجوم الذكريات
بلى.. وجها لوجه في انتصاب
افردت أوراق لفتها الطويلة
تقرأ في امتعاض.. صفحة العمر
حياتي..
وأنا أدمدم أطلق اللعنات
اذرف دمعة حراء
بكل مرارة .. مضض الملام يمزقني
هباء.. كل ذاك
وأنى استطيع تراني
أمحو سطور الحزن
هيهات استطيع.