أنا شعوب كثيرة وفي صوتي قوة نقية تعبر صمتكم
بابلو نيرودا: اسمه الحقيقي نفتالي ريكاردو رييزولد ولد في الثاني عشر من شهر يوليو عام1904 في قرية بارال بوسط شيلي , كانت والدته روزا نفتالي تعمل بمهنة التدريس أما والده جوزيه ديل كارمن فكان عاملا بسيطا في السكة الحديد وإن كان نيرودا نفسه قد أشار إليه في إحدي قصائده علي أنه سائق القطار.
لم يكن عام مولد نفتالي أو بابلو كما اشتهر بعد ذلك بالعام السعيد خاصة بعد أن اختطف الموت والدته في نهاية شهر أغسطس أي قبل أن يكمل الرضيع شهره الثاني نتيجة إصابتها بالدرن, ولعل ذلك كان أحد أهم أسباب حزنه الدائم وانكسار قلبه بعد حرمانه من حنان أهم شخصية في الوجود فرغم زواج والده بعد ذلك بعامين من' ترينيداد كانديا' التي وصفها بابلو بأنها الملاك الحامي لطفولته إلا أنه ظل مفتقدا لحنان الأم.
قبل أن يكمل بابلو عامه الخامس عشر كانت إبداعاته الشعرية قد بدأت في الظهور بدأ ذلك تحديدا عام1917 عندما كتب قصيدته عيناي والتي وقع عليها باسمه الحقيقي نفتالي رييز ولكنه عام1920 اختار لنفسه اسما جديدا هو بابلو نيرودا والذي ظهر أول مرة في قصيدته التي لم تطرح في الأسواق' جزر غريبة'. في مارس عام1921 بدأ نيرودا يشعر بموهبته الشعرية لذلك قرر السفر إلي سانتياجو حيث استقر هناك في بيت الطلبة لاستكمال دراسته في اللغة الفرنسية التي كان يجيدها مثل أهلها وفي أكتوبر من نفس العام ظهرت قصيدته' أغنية العيد' والتي فازت بالجائزة الأولي في مسابقة اتحاد الطلاب والتي كانت مؤشرا لظهور ليس فقط باقي قصائده, لكن لظهور الوجه الثوري لهذا الشاعر الرومانسي الذي يبدو حالما حزينا علي طول المدي ففي نفس هذا العام اشترك نيرودا في المظاهرت الثورية التي اندلعت في البلاد آنذاك وذلك قبل أن ينتج ديوانه الثاني' الغسق' والذي اضطر من أجله لبيع بعض أثاث منزله وساعة اليد التي كان قد أهداها له والده .في عام1924 يهجر نيرودا دراسة اللغة الفرنسية ويتخصص في الأدب ويكتب ثلاثة أعمال تجريبية وذلك قبل أن يبدأ رحلة تعيينه سفيرا في العديد من البلدان تنتهي بكونه سفيرا في الأرجنتين عام1933 أي بعد زواجه من الهولندية الجميلة' ماريكا' بثلاث سنوات والتي انتهي زواجه منها بإنجاب طفلته مارفا مارينا التي ولدت في مدريد في الرابع من أكتوبر عام1934 والطريف أنه في نفس العام وتحديدا بعد شهرين تزوج نيرودا من زوجته الثانية ديليا ديل كاريل الأرجنتينية الشيوعية والتي تكبره بعشرين عاما والتي كانت تعشق الرسم خاصة رسم الخيل وقد انبهر بها نيرودا وسرعان ما ارتمي في أحضانها لأنها الوحيدة التي أخرجته من حالة الاكتئاب التي كادت تنتابه عقب علمه بمرض طفلته المزمن والذي كان يهدد حياتها. في تلك الأثناء اكتسب نيرودا شهرة عالمية واسعة جعلته واحدا من أكبر وأهم شعراء أمريكا اللاتينية ورغم كونه قد عمل سفيرا في العديد من الدول الأوروبية إلا أن ذلك لم يزده سوي إصرارا علي أن الشيوعية- التي اندلعت شرارتها في روسيا- ليست سوي المنقذ الحقيقي والحل السحري لكل المشكلات ورغم المتاعب التي سببها له هذا الاتجاه السياسي إلا أنه ظل متمسكا به إلي حد استقالته من عمله الدبلوماسي.
ويبدو أن الأفكار الشيوعية هذه قد أثرت علي الأسلوب الشعري لنيرودا فبعد أن كانت قصائده تمتاز بالرومانسية والحزن والحس المرهف أخذت القصائد تتطور لتصبح أقرب إلي السريالية التي كانت في ذلك الوقت تطغي علي المنظومة الفكرية والفنية في أوروبا كلها .في عام 1942 واجه بابلو وفاة والده وكذلك زوجته الأولي والدة ابنته والتي توفيت هي الأخري متأثرة بمرضها في تلك الأثناء لم يكن نيرودا قد كتب شيئا يذكر خاصة في ظل الأعمال السياسية التي قام بها, لكنه سرعان ما استعاد موهبته الشعرية وكتب لنا تحفته' النشيد العام' عام1950 حيث عرض في هذا العمل الضخم تاريخ قارة أمريكا اللاتينية من منظور اجتماعي وسياسي ويؤكد أن للشعب الدور الرئيسي في التاريخ محتقرا كل الشعراء الذين يطلقون علي أنفسهم اسم الشعراء السماويين قائلا لهم:
ماذا فعلتم أنتم يا أهل جيان
يا مدعي الثقافة يا من تهتمون بالقوافي
يا مدعي الصوفية يا زيف من السحرة
ماذا فعلتم تجاه سلطة الكرب أمام هذا الجنس البشري الغامض
يأتي عام1968 ويمرض الكاتب بمرض يقعده عن الحركة فيكتب لنا ديوان( أيدي الأيام) ثم يتحفنا برائعته( السيف المشتعل )عام1970 ثم أحجار السماء في نفس العام وفي21 أكتوبر عام1971 يفوز نيرودا بجائزة نوبل في الأدب وعندما يعود إلي شيلي يستقبله الجميع باحتفال هائل في استاد سانتياجو ويكون علي رأس الاحتفال سلفادور الليندي الذي لقي مصرعه بعد ذلك علي يد الانقلاب الذي قاده بينوشيه وبعدها بأيام توفي نيرودا متأثرا بمرضه في23 سبتمبر1973*بعض أشعاره:لو لم يكن لعينيكِ لون القمر
لون النهار بطينه وكده وناره
لو لم تُخضعي خفة الهواء،
ولم تشبهي أسبوعا من العنبر،
لو لم تكوني اللحظة الصفراء
التي ينبثق فيها الخريف من الدوالي
والخبز الذي يعجنه القمر العطِر
حين ينزّه طحينة في السماء
آه، يا حبيبتي، لما أحببتك!
في عناقكِ أعانق كل الوجود:
الرمل والوقت وشجرة المطر
وكل ما هو حي يعيش كي أحيا انا
لا احتاج مسافة كي أرى الأشياء،
فيكِ أنت أرى الحياة كلها
* * *
يا امرأة تامة، يا تفاحة شهوانية، يا قمرا حارا
يا عطر الطحالب الكثيف، ووحلا معجوناً بالضوء
اي نور غامض يتفتح بين أعمدتك؟
وأي ليل قديم يثير حواس الرجل؟
آه، الحب رحلة مع المياه والنجوم،
مع الهواء الضيق وعواصف الطحين النزقة:
الحب قتال بين البروق
وجسدان ضلّلهما عسل واحد
قبلة فقبلة اجتاز مطلقكِ الصغير
وضفتيكِ وأنهارك وقراكِ،
فتركض نار الجنس وقد صارت لذة
على طرق الدم الضيقة،
لترتمي كمثل قرنفلة ليلية
وتصبح محض شعاع بين الظلال
* * *
لا احبكِ كما لو انكِ وردة من ملح
أو حجر ياقوت، أو سهم من قرنفلات تشيع النار
احبكِ مثلما تحَبّ بعض الأمور الغامضة،
سرا، بين الظل والروح
احبكِ مثل النبتة التي لا تزهر
وتخبىء في داخلها ضوء تلك الزهور
وبفضل حبكِ يعيش معتماً في جسدي
العطر المكثّف الطالع من الأرض
احبكِ دون ان اعرف كيف، أو متى أو أين،
احبكِ بلا مواربة، بلا عُقد وبلا غرور:
هكذا احبكِ لأني لا اعرف طريقة أخرى
غير هذه، دون ان أكون أو تكوني،
قريبة حتى ان يدكِ على صدري يدي،
قريبة حتى أغفو حين تغمضين عينيكِ